05 May 2012

شهادتي على فض اعتصام العباسية ومواجهات الدمرداش




   اكتب أنا هيثم محمد التابعي – الصحفي بجريدة الشرق الأوسط اللندنية شهادتي على ما رأيته بعيني فقط  وما حدث لي شخصيا دون أي التفات لقصص أو روايات سمعتها من حولي خلال أحداث فض اعتصام وزارة الدفاع الجمعة 4 مايو .. والله على ما أقوله شهيد .
   توجهت عقب صلاة الجمعة إلى ميدان التحرير للقاء أصدقائي ومن ثم التوجه لميدان العباسية للمشاركة في جمعة "النهاية" ضد المجلس العسكري، ولتغيرات في مواعيد البعض تقرر أن اقابل اصدقائي في العباسية فذهبت إليها من التحرير عبر رمسيس مستقلاً ميكروباص... الحقيقية أنني كنت مريض خلال الاسبوعين الماضيين ولم أزر اعتصام  العباسية من قبل كما أنني لم أكن اعرف على وجهة الدقة التفاصيل الدقيقة لما حدث هناك في اليومين الماضيين.
   الطريق للعباسية كان يوحي أن هناك مؤامرة تحاك فعلاً .. كل الكباري في الطريق من رمسيس للعباسية مغلقة بواسطة الشرطة المدنية وكل الطرق من ناحية مسجد النور أيضا مغلقة .سيارات الأمن المركزي المدرعة كان تسد دروبا كثيرة وتمنع الوصول للعباسية لكنني لم أر أي بلطجية احقاقا للحق في تلك المناطق بجوار الشرطة .
   اضطررنا لدخول العباسية من ناحية صلاح سالم حيث كانت الشرطة ايضا تغلق الطريق وتسمح للمشاة فقط بعد تفتيش صوري .. في الطريق من بوابة العباسية من ناحية صلاح سالم يمكن رؤية المبنى القديم لكلية الشرطة والشوارع الضيقة المؤدية لحي العباسية وكلها طرق ودروب صغيرة أعرفها تمام المعرفة لوجود مدرستي الابتدائية والاعدادية في قلب ميدان العباسية .. لكن كل تلك الدروب وقف امامها بلطجية اشكالهم غريبة للغاية لكن دون سلاح خاصة في منطقة موقف الاوتوبيس .. اكملت المسيرة ناحية النفق حيث يحتشد المتظاهرين .. الاجواء كانت عادية جدا وحماسية للغاية حتى بدأت القوات المسلحة في توجيه خراطيم المياه تجاهنا لفترة من الوقت دون ضرب غاز أو رصاص .
   بدأ مجموعة من الشباب الملتحي من المرتدين للجلاليب في تجميع الطوب من الارض في أشولة والتوجه به لنقاط التماس مع جنود القوات المسلحة ..حاول الكثير من الشباب اقناعهم بعدم جدوى ذلك ونشبت معارك كلامية طاحنة بين الطرفين.. واتذكر معذ عبد الكريم وهو يتناقش مع احد الشباب ليقنعه بعدم جدوى استخدام العنف... كلها نقاشات كانت في الهواء.
   بس بصراحة لم اسمع اطلاقا كلمة الجهاد ضد الجيش زي ما بعض الاعلاميين بيقولوا لكني رايت كثير يحملون الرايات السوداء .
   اخذت جولة في المكان وتحدثت مع بعض الشباب لاستطلاع اراء الشباب حول عدة موضوعات اعكف على العمل عليها .. الامور كانت لا تزال هادئة جدا ..صعدت لكوبري المشاة حيث كاميرات الاعلاميين وقمت بمداخلة لقناة 25 وانتقدت فكرة الاعتصام امام المؤسسات الحيوية لانها تنتهي بالدماء وخسارة تاييد الراي العام .. وهو ما لم يعجب احد الشباب الملتحين الذي صب جم غضبه على الاعلاميين واتهمهم بالعمالة وعدم الشجاعة وامسك بقالب طوب وهدد بتحطيم الكاميرات ان لم ينزل الاعلاميين من فوق الكوبري وهو ماحدث .. بصراحة السلفيين أو المنتمين لحازم صلاح أبو اسماعيل كانوا بيتعاملوا بغلظة شديدة جداً وبعنف مبالغ فيه مع أي حد يعترض على كلامهم.
   ولكن احقاقاً للحق لم أرى في أيديهم أي أسلحة نارية أو قنابل مولتوف او أي شيء باستثناء الطوب وبعض العصيان الضخمة "النبابيت" لكن كل احاديثهم وخطابهم كان مع استخدام العنف ضد عساكر الجيش .. حاول الكثيرون من الشباب منعهم من حمل اشولة الطوب لمناطق المواجهة لكنهم انتصروا لرايهم في النهاية .. واحقاقاً للحق فقد تجاوب معهم عدد من الشباب وتوجهوا للامام لرمي الحجارة .
   بعدها بدقائق  كانت العشرات يعودون من خطوط المواجهة والدماء تسيل منهم بغزارة ما سمعته منهم شخصياً ان الجنود بادلوهم اطلاق الحجارة ولكن يبدو ان صحة جنود القوات المسلحة اقوى بكثير ، هي كذلك فعلا للاسف، حيث كانت اصابات المتظاهرين بالغة للغاية .. حتى تلك اللحظات لم اسمع أي اصوات لاستخدام الرصاص أو الغاز .
   في هذه الاثناء وصلني ايميل ان شباب 6 ابريل ينسبحون وفعلاً في خلال دقايق لقيت العشرات منهم بيخرجوا من النفق وبيخططوا للخروج وكلهم اتفقوا على الخروج من طريق صلاح سالم .. اعتقد كان عددهم يتجاوز 20 واحد اللي انا شفتهم بعيني .
   أبلغني بعدها منسق الاسعاف في ميدان العباسية أن الوزارة قررت إرسال 11 سيارة إسعاف إضافية .. الغريب أنه أصدر توجيهاته لسيارات الاسعاف التي كانت منتظرة في مدخل النفق بالتحرك لمنطقة اوسع .. وتحركت نحو 20 سيارة دون وجود أي حاجة لذلك، بصراحة قلقت ومفهمتش لية بيحرك العربيات وهي وافقة في مكانها مستريحة الا لو كان بيوسع السكة وهو ما حدث .. المداخل من ناحية مسجد النور ومحطة الاوتوبيس كان واقف عليها بلطجية بس من بعيد وناس كتير معرفتش تروح اثناء اليوم من هناك لانهم كانوا خايفين منهم وكمان شارع لطفي السيد اللي عليها محطة مترو الدمرداش محدش كان حابب يروح منه لانهم كانوا خايفين يطلع بلطجية من الناحية دي .
   بدأت اشعر بالتعب فجلست في الميدان حيث بدات طائرة  هليكوبتر تحلق فوق رؤسنا في دوائر  لمدة ربع ساعة .. في هذه الاثناء كان ضرب قنابل الغاز بدأ وبدات ابتعد عن النفق قدر الامكان لانني اعاني من التهابات حادة وحساسية شديدة في الصدر .. كنت كلما أبتعد ألاحظ إغلاق البلطجية للشوارع الجانبية اللي ذكرتها في الأول أثناء وصولي للعباسية وبدأت يظهر معاهم أسلحة وسنج وسيوف .
   وأنا بحاول أبعد من الغاز .. بدأت أسمع أول صوت رصاص حي وفي ظرف ثواني كان كل المتظاهرين اللي في النفق بيجروا برة ناحية الميدان .. وكانت المنطقة اللي اخلتها سيارات الاسعاف مسرح لسقوط المئات أرضاً خاصة بعد ما وضح أن جنود الجيش دخلوا كمان من ناحية شريط القطر بجوار مدرسة سانت فاتيما .. وكانت الفوضى مدمرة ناس كتير بتجري وناس أكتر بتقع على الارض .. ريحة الغاز كانت قاتلة وقوية للغاية ومكنش ادامنا غير سكة واحدة بس نجري نحيتها في المنطقة اللي كنت فيها وهي سكة صلاح سالم .. بعد ما جريت يجي خمس دقايق لاقيت حوالي 100 مدرعة مجنزرة للجيش داخلة علينا والشرطة العسكرية بتحركهم قلت بس هي دي الكماشة وكدة  موتنا .. اخرجت كارنية هيئة الاستعلامات المحترم بعد ما اتاكدت اننا خلاص هيعتقلونا لكن ضابط جيش برتبة رائد قالي : خد زمايلك وروح  .. فعلاً بصيت ورايا بعدها لقيته بيخرجوا كل الناس دون اعتقال وكان واضح ان المدرعات دي قادمة فقط لاحتلال  العباسية وقدام عينيا في المنطقة دي لم يتم اعتقال أي حد .. صرخات المئات ورائنا كانت مفزعة وذكرتني بيوم 21 نوفمبر حين اقتحم الجيش ميدان التحرير مخلفا ورائه قتلى .
   الكماشة دي مكنتش الكماشة الاساسية لاني مشفتش القوات دي بتعتقل حد او بتضرب حد وارجع اقول انا مشفتش بعنيا يعني ممكن تكون عملت كدة بعدين...الكماشة كانت في منع البلطجية لينا من الهروب في الشوارع الجانبية
   ركبت اتوبيس نقل عام هدى علشان يركبنا وكان معانا بنت حوالي 19 سنة مش لاقية والدتها واكثر من دكتورة من المستشفى الميداني…السواق رفض ينزل اي حد الا في الدمرداش… انا بقا مكنتش عارف فين الدمرداش بالظبط.
   عبرنا في الطريق بقسم الوايلي وقسم اخر مش فاكر اسمه وكلها كانت محصنة تماما بتشكيلات للامن المركزي والمرور المباشر قدامها ممنوع ..وصلنا لمحطة مترو الدمرداش القريبة للغاية من ميدان العباسية مرة اخرى... شغفي الصحفي دعاني للانتظار وسط المئات من المتظاهرين وعشرات الاهالي في المحطة وهي محطة مخنوقة تقع تحت كوبري اكتوبر خلفها شارع ضيق هو ترعة الجبل وخط المترو وامامها شارع ضيق للغاية اسمه لطفي السيد... سحابات الغاز كانت تغطى المكان بكثافة وجنود الشرطة العسكرية وقفوا على شريط المترو يتبادلون إلقاء الحجارة مع المتظاهرين وبين الوقت والأخر كان الرصاص الحي يدوي في المنطقة.... الشرطة العسكرية كانت تتعامل بعنف بالغ مع كل من تعتقله في المواجهات امام عيني..الضرب كان بيبقا بغرض القتل مش الاصابة
   تلقيت اتصال من زملائي بالعمل يلحون علي لمغادرة المكان علشان صحتي مش هتستحمل الغاز والجري... نزلت شارع لطفي السيد كان واقف فيه زهور شباب مصر....ادامنا كانت الشرطة العسكرية وورانا بس بعيد شوية وقف عشرات البلطجية بيضربوا خرطوش ..الخرطوش كان بيخبط في حيطة المترو وبعيمل صوت فظيع وكانوا بيشتمونا بافظع الشتايم وبيقولوا لو رجالة بقا ارجعوا لورا .
   مكنتش شايف أي جدوى من استمرار الجيش في دفعنا للخلف خاصة ان اعتصام العباسية كان خلاص اتفض وبالتالي كان اللي بيحصل هو محاولة للتنكيل والقتل مش اكتر...
   في لحظة واحدة الشرطة العسكرية اللي قدمنا هجمت علينا وحصل ضرب نار شديد جداااا  ومن ورانا ومدرعات بتجري بسرعة الصاروخ من ناحية البلطجية جريت علينا وضربت علينا رصاص حي بغزارة وبعشوائية فيه ناس وقعت على الارض ..جرينا بسرعة في الشوارع الجانبية الوحيدة اللي قدامنا ..عسكري على المدرعة وقف على اول الشارع وضرب علينا رصاص ....حد كان بيجري ورايا مكملش معايا انا جريت بسرعة رهيبة وواحد تاني ورايا  في الحارات بتعريجات غريبة علشان الرصاص اللي بيتضرب علينا علشان نستخبى عند أي حد دخلت حارة وندهت قلت انا صحفي خبوني...دخلت بيت ومحددش رضي يفتحلي غير ست ربنا يكرمها ويسترها ..رفعت ايديا فوق وسلمت نفسي ليهم بمعنى الكلمة... ( سبق ورفضت اسر كثيرة فتح ابوابها لنا واحنا بنموت في شارع محمد محمود واحداث مجلس الوزارء والداخلية وفي الاخيرة كدت ان اموت بعد ان طردنا السكان من العمارة ).
   ساعتها كان اغم عليا تماما فوقوني واكلوني وشربوني ..الست ام محمود ، وهي سيدة بسيطة ومصرية اصيلة، ام لمحمود ومحمد ومروى، المفارقة ان محمود جندي مجند في الشرطة العسكرية في السويس .. بجد مصر عظيمة مهما أي حد حاول انه يعمل فيها ويفرق بين شعبها .. رب الاسرة الحاج عبد العزيز اصر ان اتناول الغدا معاهم وعملي شاي واصر اني ابات معاهم .
   وطبعاً كان مستحيل انزل لأني كنت بخلص في الروح ولان الجيش والبلطجية كانوا محتلين المكان تماما .. قعدت عندهم 3 ساعات في أمن وأمان متناهي بس الشارع تحت كان كله رصاص حي ورمي طوب وناس بتصرخ .. من البلكونة عندهم شفت مدى التعاون الوثيق بين الشرطة العسكرية والبلطجية في ضرب وسحل المتظاهرين .. العساكر كانت بتتلم على واحد بس وتهريه ضرب بشكل مهين.
   كان النزول بهيئتي تلك وملامحي الغريبة عن المكان هو الانتحار بعينه
   بعد 3 ساعات اتصلت بصديق واخ لي من ايام المدرسة يسكن في غمرة  لمقابلتي عند الكتدرائية بعد ان اقنعت الاسرة ان ارحل رغم اصوات الرصاص الذي يدوي في الشارع.
   كان مستحيل ان اسير في تلك الشوارع وحدي ودون اصطحاب لاحد من اهالي المنطقة لانها كانت ستكون محاولة للانتحار فعلا.
   اصطحبني محمد ،16 سنة وعلى صديقه 18 سنه لتاميني خارج منطقة الدمرداش وفعلا وصلت لمبنى الكتدرائية حيث اصطحبني  محمود لبيته مرورا بمنطقة غمرة حيث كانت اصوات الرصاص لا تزال تدوي عاليا ومن بيته لبيتي مباشرة .

·        خلاصة الموضوع اللي شفته بعيني :
1.     الاعتصام او التواجد لم يكن فقط اولاد ابو اسماعيل  كما يردد الاعلام..لكن كان معظم التيارات والقوى السياسية... وكثير من المستقلين...لكن بصراحة انا اصلا ضد فكرة الاعتصام او التظاهر اما مؤسسات الدولة لانها كتجربة وممارسة لم تات باي نتائج ايجابية وتزيد من فاتورة دم الشهداء وتخصم من رصيدنا في الشارع مثلما حدث في مجلس الوزراء ووزارة الداخلية .
2.     اللجوء للعنف كان حصري بشكل كبير على السلفيين اللي كان عندهم رغبة شديدة على استخدام العنف... وهم يتحملوا قدر من مسئولية ما حدث اليوم لانهم وفق ما رايت بدئوا باستفزاز العساكر .
3.     الجيش استخدم العنف بشكل مبالغ فيه جداا جدااا جدااا ولم يكن من الطبيعي استخدام العنف مرة اخرى في الدمرداش بعد فض الاعتصام .
4.     استخدام اسلوب الكماشة بهذا العنف ضد متظاهرين سلميين في شوارع ضيقة كما في الدمرداش مع وجود بلطجية هو محاولة اخرى للقتل والتنكيل .
5.     استخدام البلطجية اصبح وسيلة قوية للغاية في ايد الجيش لارهاب المتظاهرين وبصراحة جابت نتيجة خاصة بعد وقوع قتلى في صفوف المعتصمين يوم الاربع .
6.     يسقط يسقط حكم العسكر .
  كل الشكر لأسرة الاستاذ عبد العزيز الكريمة اللي انقذتني من موت محقق بفضل الله .
هيثم محمد التابعي

1 comment:

EgyptAliA said...

1- ربنا يحمى شباب العسكر و عيب تقول "للأسف كانت صحتهم أحسن"
2- ربنا يحمى شباب الثورة النضيف مش الهمجى الغوغائى اللى مابيفكرش واللى ماشى زى القطيع من غير مايقهم
3- ربنا يحمى مصر من فاقدى العقول اللى مايعرفوش قيمتها
4-ربنا يحمى جيش مصر و أرض مصر
5-يارب تكون فهمت