19 February 2007

حينما انتحر الحوار


حينما انتحر الحوار

لم يكن محمود ليتصور ان ذلك الحوار الهادئ الذي جمعه وعدد من اصدقائه سينتهي الي تلك المعركة التي قادوها ضده بدا مندهشا بل مصدوما وهو يسمع كلمات من عينة خائن , عميل ,دسيس ...تذكر انه مصري ,عربي و مسلم ولكن نفس الكلمات كانت تراوده بقوة ..كافر, زنديق,صهيوني و بائع للوطن ...
وواليكم سطور الحكاية ......مجموعة من الشباب المصري المتعلم يناقش مبدأ التطبيع مع اسرائيل ...الكل يعرض وجهات نظره ,ساد جو من الاعتراض علي المبدأ قبل ان يشرع محمود في كلامه فأذا به ينحاز الي التطبيع ويا ليته ما انحاز فاذا بالكل يهاجمه متهمين اياه بكل ما سبق و انه لا يفقه شيئا في امور السياسة ولا اصول الدين . وكان ذنب محمود انه استخدم تحليله الخاص ورأيه الشخصي ليعرض وجهة نظره التي قد تكون صحيحة وقد تكون عكس ذلك بالمرة .

راودني ذلك المشهد وانا اتابع ذلك المستوي المتدني من الحوار بين الجميع " سياسيين , رجال دين وشباب " علي الفضائيات المختلفة وفي كل قضايا المجتمع بكل اموره سياسية ودينية واجتماعية . اصبح كل شخص يري انه صاحب الرأي السديد وانه علي حق وان فشل في دعم كلامه بالحجج والاسانيد وان الاخر علي باطل مهما كان كلامه مقنعا ومدعوما بحجج واسانيد
ارانا الآن نمشي علي المشاعر والاهواء فكل رأي يستهوينا ونري فيه مصلحة هو الرأي الصحيح وتلك الاراء التي تحيد عن مشاعرنا هي بالطبع خاطئة وان كانت في جوهر الصواب . ارانا ايضا ننساق وراء تلك الاراء الجماعية دون ان ننظر الي باطن الامر فكل راي اتفقنا عليه وان كان خاطئا هو صواب . ولابد ان نعلم ان الفرق كبير بين الرأي الذي يخالفنا والحقيقة المزيفة ,فلنرفض اي حقيقة مزيفة ونعترض عليها وبشدة ونفضحها ...ولكن التعامل مختلفا مع الاراء التي تخالفنا فحرية اطلاق الاراء مكفولة طالما لا تزييف حقيقة ولا تهين عقيدة .

و الاراء والافكار غير مطلقة وان كانت كذلك لما كان مبدأ الشوري قد وجد سبيلا في عهد رسول الله " صلي الله عليه وسلم" . فلكل شخص الحق في اطلاق رأيه ولنا الحق في الاخد به او الاعتراض عليه ....لنا الحق في الاعتراض علي الراي لا الشخص فالفرق كبير ...لنا الحق في رفض الرأي لا الشخص فنحن اول من يطالب بحرية الراي واول من يخالف قواعدها....فلنتسمع للاخر و ننظر الي الافكار والاراء بصورة محايدة .
فليس كل من الاخوان المسلمون متطرف ولا كل من يناصر الحزب الوطني مجنونا ولا كل من يري التطبيع من منطلق آخر خائنا.ر
وتبقي مشكلتنا ايضا اننا متحدثون اكثر منا سامعين او مفكرين ...فلا نكترث بالسمع رغم ان الله خلق لنا اذنين ولسان واحد !!!!....ولا نكترث بجدوي التفكير المستنير في اراء الناس وافكارها فنسرع في توجيه الاتهامات والتهم وقد فطن اليابانيون الي ذلك فمنحوا التراث البشري حكمتهم الخالدة " فكر في ساعة لتتكلم في ثانية " فكل ثانية تفكير نتاج لساعة من التفكير وهو عكس وضعنا تماما فساعات احاديثنا مسبوقة بثواني تفكيرنا

وفي النهاية اتذكر حكمة سقراط حين قال " الاختلاف في الراي لا ينبغي الا يؤدي الي العداوة والا لكنت انا وزجتي من الد الاعداء"

اتمني من الله ن يكون حوارنا بناءا محترما وان نستعيد فن الاستماع للآخر مهما كان رأيه او فكره ونفكر لنقرر وليكن الرفض او الموافقة للآراء والافكار لا للاشخاص .


هيثم التابعي

1 comment:

Hend.feps said...

حينما أنتحر الحوار ...

نعم ...

بعد قراءة هذه التدوينة التى تعبر عن أخطر مشكلة (فى وجهة نظرى) تواجه شعوبنا العربية ... إفتقاد فن الاستماع... الذى يؤدى شيئا فشيئا إلى إفتقاد أسس التعايش ...

أول فكرة حضرتنى بعد قراءة هذه التدوينة ... أننا تربينا و مازلنا نربى أولادنا فى المدارس و البيوت على طريقة الحوار الخطأ ...

فى المدارس نجد أن المحاور الاوحد و الوحيد و الفريد و فقط و حسب و كل المفردات اللغوية التى تحمل معنى الشخص الواحد ... هو المعلم ... الذى يجعل أسمى غايته من العملية التعليمية أنه يلقى الدرس (المقرر فى الكتاب المدرسى) دون أدنى محاولة لمعرفة رأى الطلاب فى هذا الدرس و خاصة المواد الأدبية ...
و أى سؤال يميل الى أن يكون أو يشتبه به أن يكون خارج المنهج ... فيا ويل من تجرأ و سأل هذا السؤال .... كيف سمح له ضميره أن يضيع وقت المعلم الثمين فى أسئلة لن تأتى فى الامتحان ...
و أصبح الطالب (متبرمج) على كيفية التعامل مع ورقة الاسئلة و ورقة الاجابة و السلام عليكم ...

هذا ما نبنى عليه أطفالنا .... المدرسة تؤكد على أنه لا قيمة للحوار بتاتا فما بالك فى التعرف على فن الحوار و الاستماع ...

فى البيوت كذلك .... أغلب البيوت و ليست كلها ... نجدها تفتقد الحوار .. كل فرد داخل الاسرة أصبح له شاغله الذى يشغله ... و تحولت البيوت الى فنادق ... غرف مستقلة ...

أو لعلنا نجد نوع أخر من البيوت التى يستبد فيها أحد الأبوين و يستأثر بالميكروفون ... ليتلخص الحوار بين جميع أفراد الاسرة فى صورة أوامر و نواهى صادرة من قيادة علياو على البقية السمع و الطاعة بلا نقاش ...

و بين هذا و ذاك قلما ما نجد البيوت التى تحقق المعادلة البسيطة فى الحوار الاسرى الهادئ الذى ينمى فى الافراد القدرة على التعبير عن الرأى مع أحترام الرأى الأخر ....

و يأتى الدور الأكبر على الاعلام حيث يهدم ما قد يكون نشأ فى نفوس الاطفال سهوا عن أن الحوار هو السبب الرئيسى فى وجود بعض الاعضاء فى الجسم مثل اللسان و الاذنين و هو السبب أيضا فى تنمية هذه الاعضاء بأستخدامها فى تعلم الكلام منذ الصغر ... حيث نجد البرامج (أياها) حيث يلتف السادة الضيوف حول المائدة و يبدأ النقاش الحاد و الصوت يعلى شيئا فشيئا الى ان يضطر المشاهد المسكين الى تحويل مثل هذه القنوات ليقع فريسة لقنوات أخرى تهدم قيم أخرى بوسائل أخرى ... مسلسلات عقيمة و أغانى و مباريات كرة قدم ترفع الضغط

و بعد كل هذا نتسائل لماذا أنتحر الحوار .... فلنسأل أنفسنا لماذا أغتلنا الحوار